سوق العود في يوننان: بوابة العطور الشرقية في الصين

تشتهر مقاطعة يوننان الجنوبية الغربية في الصين بكونها مركزًا رئيسيًا لتجارة خشب العود الفاخر، حيث تحتضن أكبر الأسواق المتخصصة في منطقة آسيا. يتركز النشاط التجاري في مدينتين رئيسيتين هما كونمينغ وشيشوانغباننا، اللتان تجسدان تناغمًا فريدًا بين التراث الثقافي والاقتصاد الحديث.

كونمينغ: القلب النابض للتجارة

تُعد العاصمة الإقليمية كونمينغ محورًا استراتيجيًا لسوق العود، وذلك بفضل بنيتها التحتية المتطورة وموقعها الجغرافي الذي يربط بين مناطق الإنتاج الداخلية والموانئ الدولية. تشير بيانات غرفة التجارة المحلية إلى أن 65% من صادرات العود الإقليمية تُنقل عبر مستودعات كونمينغ، حيث تنتشر متاجر البيع بالجملة في منطقة جينان التجارية التاريخية. يعود ازدهار السوق هنا إلى سياسات الدعم الحكومي، حيث خصصت السلطات منطقة اقتصادية حرة عام 2018 لتعزيز تجارة المنتجات العطرية. يلاحظ الباحث الاقتصادي لي تشاو أن "الاستثمارات العربية المباشرة في قطاع التعبئة والتغليف ساهمت في رفع جودة المنتجات المعروضة بنسبة 40% خلال خمس سنوات".

شيشوانغباننا: حيث تلتقي الغابات بالأسواق

على بعد 600 كم جنوب كونمينغ، تقع مدينة شيشوانغباننا الاستوائية التي تُعتبر بوابة مباشرة إلى مناطق زراعة أشجار الآغار (المصدر الرئيسي للعود). تُظهر دراسات جامعة يوننان الزراعية أن 80% من المزارع التقليدية ما زالت تستخدم تقنيات القَطْف اليدوي التي تحافظ على جودة الراتينج. تتميز أسواق المدينة الصباحية بطراز معماري ممزوج بين الثقافة الدايية المحلية والتصميم الإسلامي، حيث يعود تاريخ سوق "باب العود" إلى القرن الرابع عشر كمحطة على طريق الحرير الجنوبي. يوضح دليل السفر العربي ابن بطوطة في مخطوطاته التاريخية أن "تجار عُمان كانوا يقايضون التوابل بقطع العود الزرقاء النادرة في هذه الساحات". يبرز هنا دور الوساطة الثقافية، حيث تُترجم مواصفات المنتجات إلى ثلاث لغات، بينما تُنظم معارض فصلية بالشراكة مع اتحادات تجارية من الخليج. تؤكد الإحصاءات الرسمية أن حجم التداول اليومي يصل إلى 120 طنًا خلال مواسم الحصاد، مع وجود أنظمة ذكية لتتبع مصادر الأشجار تضمن الجودة وفق المعايير الدولية.