التاريخ العريق لخشب العود في الثقافة العربية

ارتبط خشب العود بمنطقة الشرق الأوسط منذ آلاف السنين، حيث تشير الاكتشافات الأثرية إلى استخدامه في طقوس الدفن الملكية في حضارات ما بين النهرين. تذكر المخطوطات السومرية أن العود كان يُعتبر "هدية الآلهة" بسبب رائحته الفريدة. بحلول العصر الإسلامي الذهبي، ازدهرت تجارته كرمز للرفاهية، حيث وصفه ابن سينا في كتابه "القانون في الطب" كعلاج للاضطرابات النفسية. تشهد النقوش العربية القديمة على الدور المركزي للعود في التبادلات الثقافية بين شبه الجزيرة العربية والهند وجنوب شرق آسيا. تؤكد دراسة د. خالد الحمادي (2020) من جامعة القاهرة أن القوافل التجارية كانت تحمل العود كعملة تبادل ثمينة، مما ساهم في انتشار تقاليد استخدامه في الشعر العربي الكلاسيكي الذي مجّد عطره كاستعارة للحب الإلهي.

القيمة الاقتصادية وتحديات الاستدامة

يشكّل العود اليوم أحد أهم عناصر الاقتصاد غير النفطي في دول الخليج، حيث تصل قيمة السوق العالمية لزيوته إلى 8 مليارات دولار وفق تقرير غرفة دبي التجارية (2022). تعتمد صناعته على خبرة عائلية متوارثة، حيث تحتاج الشجرة الواحدة إلى 30-50 عاماً لتصل إلى النضج العطري المطلوب. تواجه الصناعة تحديات بيئية جسيمة بسبب الصيد الجائر، حيث انخفضت الكميات الطبيعية بنسبة 70% منذ 1990 حسب منظمة الفاو. أدى هذا إلى ظهور مبادرات مثل "مشروع العود المستدام" في عُمان الذي يجمع بين التقنيات الحديثة في الاستخلاص والأساليب التقليدية، مع الحفاظ على حقوق المزارعين المحليين وفق مبادئ التجارة العادلة.

البُعد الروحي في التصوف الإسلامي

احتّل العود مكانة خاصة في التصوف الإسلامي، حيث يُعتبر وسيلة للتقرب إلى الذات الإلهية. يشرح الشيخ عمر العطار في كتابه "أنوار القلوب" كيف يساعد الدخان المتصاعد من المباخر على تنقية النفس خلال حلقات الذكر. تذكر المخطوطات الصوفية من القرن الثالث عشر استخدام 7 أنواع مختلفة من العود، كلٌ منها مرتبط بمرحلة من مراحل السير إلى الله. أظهرت دراسة نفسية حديثة من جامعة الملك سعود (2021) أن رائحة العود تزيد من موجات ألفا الدماغية بنسبة 40%، مما يدعم الفرضيات التاريخية حول تأثيره المهدئ. هذا التزاوج بين العلم والتراث يعزز مكانته كجسر بين المادي والروحي في الثقافة العربية المعاصرة.