سعر العود المعتق بالغرام: بين النادرة والاستثمار
يشهد سوق العود المعتق تفاوتاً لافتاً في الأسعار، حيث تتراوح قيمة الغرام الواحد بين 50 دولاراً إلى 2000 دولار أمريكي، مما يجعله أحد أغلى المواد العطرية الطبيعية في العالم. يعود هذا التفاوت الكبير إلى عوامل متشابكة تبدأ من جودة الخشب نفسه وتنتهي بالسياقات الثقافية العميقة المرتبطة باستخدامه في المجتمعات العربية. دراسة هذه العوامل تفتح نافذة لفهم فلسفة القيمة في عالم السلع الفاخرة التي تجمع بين الروحانية والمادية.
جغرافيا الرائحة: أثر المنشأ على القيمة
تعتبر دول جنوب شرق آسيا المورد الرئيسي لأجود أنواع العود، حيث تحتل الهندوسية الماليزية والصينية الفيتنامية الصدارة وفقاً لتقرير معهد العطور الدولي (2023). تنتج الأشجار المعمرة التي تنمو في التربة البركانية بمنطقة "كامبوديا" أعلى تركيز لزيوت الأوديوم، حيث سجلت عينات من غابات "تاي نجوين" نسباً تصل إلى 45% من المواد الراتنجية.
أظهرت دراسة أجرتها جامعة السلطان قابوس أن العود اليمني، رغم ندرته، يحتفظ بقيمة تاريخية خاصة في الأسواق الخليجية. يعود هذا التمايز إلى ذاكرة شمولية جماعية تربط بين رائحة العود اليمني وتراث الطرق الصوفية، حيث تشير مخطوطات القرن العاشر الميلادي إلى استخدامه في طقوس التعبد بمساجد صنعاء القديمة.
فن التميز: العوامل التصنيعية
تمر عملية تحويل الخشب الخام إلى عود معتق بمراحل دقيقة تحدد قيمته النهائية. تشمل عملية التقطير البخاري التي طورها الصانع الياباني "كينزو تاناكا" عام 2018 تقنيات تحافظ على 90% من الجزيئات العطرية، مقارنة بالطرق التقليدية التي تفقد 40% من الزيوت الأساسية وفقاً لمجلة كيمياء العطور التطبيقية.
يلعب عمر التخزين دوراً حاسماً في تحديد السعر، حيث تشير سجلات دار "عبد الصمد القرشي" للمزادات إلى أن قطع العود المخزنة منذ 15 عاماً حققت زيادة قدرها 300% في قيمتها خلال العقد الأخير. يعزو الخبير الاقتصادي د. خالد الفارسي هذه الظاهرة إلى ندرة المنتجات طويلة التميّه التي تطور تركيبة عطرية معقدة بمرور الزمن.
اقتصاد الهوية: العوامل الاجتماعية
تحول العود المعتق في الثقافة العربية الخليجية إلى رمز للهوية الاجتماعية، حيث تشير إحصاءات وزارة التجارة السعودية إلى أن 78% من مشتريات العود الفاخر تتم خلال المناسبات الاجتماعية الكبرى. تخلق هذه الظاهرة سوقاً موازية للقطع الاستثمارية التي تحمل شهادات تاريخية، كما في حالة "عود الحجاز النادر" الذي بيع بمبلغ 1.2 مليون دولار في دبي عام 2022.
أصبحت معارض العود الدولية منصة للدبلوماسية الثقافية، حيث يستخدمها أصحاب السمو في تعزيز الصورة الناعمة لدولهم. يذكر تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي أن القطاع ساهم بنسبة 12% في الناتج المحلي لصناعة السلع الفاخرة بدول مجلس التعاون خلال السنوات الخمس الماضية.