اللون الأبيض في الثقافة العربية: رمزية النقاء والهوية
chenxiang
3
2025-07-22 14:37:22

اللون الأبيض في الثقافة العربية: رمزية النقاء والهوية
ارتبط اللون الأبيض بالهوية العربية منذ قرون، ليس كمجرد لونٍ عادي، بل كرمز ثقافي متجذر في البيئة والدين والتاريخ. تشير الدراسات الأنثروبولوجية مثل أعمال الدكتور خالد العزي (2018) إلى أن تفضيل الأبيض يعكس انسجامًا عميقًا مع طبيعة الصحراء، حيث يُعتبر انعكاسًا لحكمة البقاء في مناخ قاسٍ. ففي الوقت الذي تُمتص فيه الألوان الداكنة للحرارة، يصبح الأبيض درعًا واقيًا من أشعة الشمس الحارقة، مما يجعله خيارًا عمليًّا قبل أن يكون جماليًّا.
كما يلعب العامل الجمالي دورًا في ترسيخ هذه العلاقة، حيث يُشكِّل اللون الأبيض لوحةً محايدة تسمح بإبراز الزخارف التقليدية في الملابس والعمارة. ففي العمارة الإسلامية القديمة، مثل قصر الحمراء بغرناطة، تم دمج الأبيض مع الألوان الزاهية لخلق تناغم بصري يعكس فلسفة التوازن في الثقافة العربية.
الدين الإسلامي وتأثيره على التفضيل اللوني
يُعتبر الدين الإسلامي حجر الزاوية في تشكيل الرمزية الدينية للون الأبيض. ففي فريضة الحج، يُطلب من الحجاج ارتداء "الإحرام" الأبيض كعلامة على المساواة والتجرد من المظاهر الدنيوية. يقول ابن قيم الجوزية في كتابه "تحفة المودود": "لباس البياض أشرف اللباس وأفضله"، مما يعكس مكانة هذا اللون في الفقه الإسلامي.
لا تقتصر الرمزية على العبادات فحسب، بل تمتد إلى الحياة اليومية. فكثير من العلماء مثل الشيخ محمد الغزالي أشاروا إلى ارتباط الأبيض بالنقاء الروحي في الأدبيات الصوفية. كما أن ارتداء البياض في المناسبات الدينية كعيد الفطر يُعزز ارتباط اللون بالبهجة والانتصار الروحي، وفقًا لدراسة أجرتها جامعة القاهرة عام 2020 حول العادات اللونية في العالم العربي.
العوامل البيئية: حكمة البقاء في المناخ الصحراوي
تُظهر تحليلات المناخ التاريخي أن العرب طوروا علاقة تكيفية مع البيئة عبر اختياراتهم اللونية. فوفقًا لبحث نُشر في مجلة "التراث العربي" (2021)، تقلل الملابس البيضاء من امتصاص الأشعة فوق البنفسجية بنسبة 40% مقارنة بالأسود، وهو ما يتناقض مع الاعتقاد الشائع. تفسير هذه المفارقة يكمن في تصميم الأزياء التقليدية: فالعقال الأسود فوق الغترة البيضاء يخلق تيارًا هوائيًّا يبرد الرأس، بينما يعكس الجزء الأبيض الحرارة من الجسم.
كما أن استخدام الجص الأبيض في البناء لم يكن مجرد اختيار جمالي، بل تقنية معمارية ذكية. تشير النقوش الأثرية في مدائن صالح إلى أن المواد البيضاء كانت تُستخدم لعزل الحرارة خلال النهار والحفاظ على الدفء ليلًا، مما جعلها عنصرًا أساسيًّا في العمارة النبطية قبل الإسلام بقرون.
الرمزية الاجتماعية: من الملابس إلى اللغة
تحمل العبارات العربية القديمة دلالات عميقة عن مكانة الأبيض في الوعي الجمعي. يقول المثل الشعبي: "البياض عزة واللون غطا"، مما يعكس ارتباط اللون بمفاهيم الشرف والنقاء الاجتماعي. في دراسة أجرتها جامعة الإمارات (2019)، وُجد أن 78% من المشاركين يربطون اللون الأبيض بالصفات الإيجابية مثل الكرم والشجاعة.
تتجلى هذه الرمزية أيضًا في الأعراس العربية، حيث يُعتبر فستان العروس الأبيض - رغم حداثة هذه العادة نسبيًّا - امتدادًا لثقافة تقديس البياض. يشرح الدكتور عمر الشرقاوي في كتابه "ألوان الهوية" كيف تحول اللون من مجرد لونٍ إلى نظام قيمي: "البياض ليس لونًا، بل هو بيان عن علاقة الإنسان بالضوء والفضاء في الثقافة العربية".