التاريخ الثقافي للتبغ في العالم العربي

يرتبط استخدام التبغ في المنطقة العربية بتاريخ طويل يعود إلى القرن السادس عشر، عندما دخل عبر طرق التجارة العثمانية. تحولت النارجيلة من أداة تراثية إلى رمز للضيافة الاجتماعية، خاصة في دول المشرق العربي. تشير دراسات الأنثروبولوجيا الثقافية إلى أن تدخين التبغ أصبح جزءًا من طقوس اللحمة المجتمعية، حيث تجمع الأفراد حول النار في المقاهي الشعبية. لكن هذا الارتباط التاريخي لا يخلو من التناقضات. ففي حين ربطته بعض التيارات الصوفية بالتأمل الروحي، حاربه المصلحون الدينيون في القرن الثامن عشر، مثل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الذي اعتبره "مفسدًا للعقل". هذا الجدل بين التقبل والرفض يشكل أساس المواقف الاجتماعية الحالية.

تحولات أنماط الاستهلاك المعاصرة

شهدت العشرين سنة الماضية تغيرًا جذريًا في سلوكيات الشراء. وفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية 2022، ارتفعت نسبة المدخنين الشباب (15-24 سنة) في الخليج العربي بنسبة 40% بسبب التسويق الرقمي. تحولت السجائر الإلكترونية من منتج هامشي إلى سلعة رائجة في مراكز التسوق بدبي والرياض، مدعومة بحملات ترويجية تستهدف النساء تحديدًا. من ناحية أخرى، تظهر بيانات وزارة الصحة السعودية انخفاضًا ملحوظًا في مبيعات التبغ التقليدي بنسبة 18% منذ تطبيق الضرائب الانتقائية عام 2017. هذا التناقض يعكس صراعًا بين تأثيرات العولمة والجهود الحكومية للحد من الاستهلاك.

التحديات الصحية والسياسات الوقائية

تواجه الأنظمة الصحية العربية أعباء مالية ضخمة بسبب أمراض التدخين. تقدر دراسة نشرتها "مجلة الطب الشرقي" عام 2023 أن تكلفة علاج سرطان الرئة في مصر وحدها تصل إلى 2.3 مليار جنيه سنويًا. ردًا على ذلك، تبنت دول مثل الإمارات نظام "الطبابة عن بُعد" لبرامج الإقلاع عن التدخين، بينما فرضت المغرب حظرًا تامًا على الإعلانات الترويجية. لكن فعالية هذه السياسات تبقى محدودة دون تغيير الثقافة المجتمعية. الدكتور خالد المرزوقي، الخبير في الصحة العامة، يشير في مقابلة مع قناة الجزيرة (2023) إلى أن "80% من المدخنين العرب يبدأون عادة التدخين تحت ضغط الأقران، مما يستدعي استراتيجيات وقائية تركز على التماسك الأسري".

الجوانب الاقتصادية والبدائل المستدامة

يشكل قطاع التبغ رافدًا اقتصاديًا معقدًا. في حين تساهم الضرائب ب 12% من إيرادات الخزينة الجزائرية وفقًا لبيانات البنك الدولي، تفقد الزراعات البديلة مثل الزعفران في عُمان فرص التمويل. تقترح منظمة الفاو تحويل مزارع التبغ اليمنية إلى إنتاج نباتات طبية كبديل مجدٍ اقتصادياً. من ناحية أخرى، تخلق صناعة السجائر الإلكترونية فرص عمل جديدة في مجال التكنولوجيا الصحية. شركة ناشئة في الأردن طورت عام 2022 جهازًا لمراقبة النيكوتين يعتمد على الذكاء الاصطناعي، مما يفتح آفاقًا لاقتصاد معرفي مرتبط بمكافحة التدخين.