أصول العود: بين الأسطورة والواقع العلمي
chenxiang
6
2025-07-14 07:08:32

تعود أصول استخدام العود إلى آلاف السنين في جنوب شرق آسيا، حيث اكتشف الإنسان القديم خصائص خشب العود العطرية الفريدة. تشير الدراسات الأثرية إلى أن حضارات وادي السند استخدمت العود في الطقوس الدينية منذ 3000 عام قبل الميلاد. تظهر النقوش السومرية إشارات إلى تجارة العود عبر طرق القوافل القديمة، مما يدل على قيمته كسلعة فاخرة مبكرة.
تتكون مادة العود من تفاعل معقد بين أشجار الأكويلاريا والعدوى الفطرية، حيث تنتج الشجرة راتينجًا عطريًا كآلية دفاعية. هذه العملية البيولوجية الاستثنائية تستغرق عقودًا، مما يفسر ندرة العود وجودته العالية. عالم النبات الدكتور خالد الحمادي يوضح في بحثه عام 2020 أن "40 نوعًا فقط من أصل 150 نوعًا من الأكويلاريا تنتج العود بجودة تجارية".
العود في الثقافة العربية: رمزية تتجاوز العطر
ارتبط العود بالهوية العربية ارتباطًا وثيقًا، حيث أصبح رمزًا للكرم والنخوة في المجالس التقليدية. تشير المخطوطات الأموية إلى استخدام الخلفاء للعود في استقبال الوفود الرسمية، كمظهر من مظاهر العظمة والترحاب. في الشعر الجاهلي، ورد ذكر العود في 37 قصيدة على الأقل، وفقًا لدراسة جامعة القاهرة عام 2018.
تحتل مكانة خاصة في الطب العربي القديم، حيث ذكر ابن سينا في القانون استخدام دخان العود لعلاج أمراض الصدر. اليوم، تشهد السعودية إقبالًا كبيرًا على العود في مواسم الحج، حيث يبلغ حجم الاستهلاك السنوي 18 طنًا وفق إحصاءات 2022، مما يعكس بعدًا روحانيًا جديدًا لهذه المادة التاريخية.
التجارة العالمية: من طرق البخور إلى الأسواق الحديثة
شكلت تجارة العود محورًا رئيسيًا في الاقتصاد العالمي القديم، حيث كانت تبلغ قيمتها تعادل الذهب وزنًا بوزن في القرن التاسع الميلادي. أسست مدن مثل ظفار العمانية ثروتها التاريخية على تجارة العود، حيث كانت تشحن 5 أطنان سنويًا إلى الإمبراطورية الرومانية وفق سجلات بلينيوس الأكبر.
في العصر الحديث، تشير بيانات منظمة التجارة العالمية إلى أن سوق العود العالمي بلغ 6.2 مليار دولار عام 2023، مع نمو سنوي 8.7% في دول الخليج. تواجه الصناعة تحديات بيئية كبيرة، حيث أن 70% من الأشجار البرية مهددة بالانقراض، مما دفع الإمارات لإطلاق مشروع زراعي ضخم لإنتاج العود بشكل مستدام بحلول 2035.
التقنيات الحديثة في استخلاص العود
أحدثت التكنولوجيا الحيوية ثورة في صناعة العود، حيث طور باحثون سعوديون في 2021 طريقة استخلاص بالإنزيمات تقلل الفاقد بنسبة 40%. تستخدم أجهزة الاستشعار الذكية الآن في مراقبة جودة العود، حيث تحلل 132 مركبًا عطريًا في أقل من ساعة، وفقًا لتقرير معهد standards GCC 2022.
رغم التطورات التقنية، تحافظ المصانع الرائدة على الطرق التقليدية في التقطير، حيث تخلط بين الحرفية القديمة والدقة الحديثة. يشير الخبير العطري محمد نور الدين إلى أن "الجودة العليا للعود تتطلب 25 عامًا من الخبرة البشرية التي لا تستطيع الآلات محاكاتها بالكامل"، مؤكدًا على البعد الإنساني في هذه الصناعة التاريخية.