التدخين في المجتمع العربي: بين العادات والتحديات الصحية

انتشرت عادة شراء السجائر في الدول العربية بشكل لافت خلال العقود الماضية، حيث تشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية إلى أن معدلات التدخين بين الرجال العرب تصل إلى 35%، مقارنة بمتوسط عالمي يبلغ 22%. يرتبط هذا الانتشار بثقافة اجتماعية تعتبر التدخين رمزًا للرجولة والاستقلالية، خاصة في المناطق الريفية. مع ذلك، تظهر دراسات حديثة تغيرًا في التصورات بين الشباب الجامعي، حيث بدأ 40% منهم ينظرون إلى التدخين كعائق أمام الزواج والاستقرار المالي. السياسات الحكومية تلعب دورًا متناقضًا في هذه القضية. فمن ناحية، تفرض دول مثل السعودية والإمارات ضرائب تصل إلى 100% على منتجات التبغ، بينما تواجه دول أخرى صعوبات في تطبيق حظر الإعلانات بسبب الاعتماد على عوائد التبغ. تشير تقارير البنك الدولي إلى أن خسائر التدخين على الاقتصادات العربية تقدر بـ 15 مليار دولار سنويًا، تتضمن تكاليف علاجية وانخفاض إنتاجية.

التدخين النسائي: ظاهرة ناشئة تثير القلق

شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعًا مقلقًا في معدلات التدخين بين النساء العربيات، خاصة في الفئة العمرية 18-35 سنة. تعزو دراسة أجرتها جامعة القاهرة هذا الاتجاه إلى عوامل متعددة، منها الضغوط المهنية وتأثير الدراما التلفزيونية التي تعرض الشخصيات المدخنة كرمز للتحرر. تصل النسبة في بعض المدن الكبرى إلى 12%، وفقًا لمسح أجرته منظمة الصحة العربية عام 2022. تواجه الحملات التوعوية تحديات ثقافية جمة في هذا المجال. حيث تتردد العديد من المؤسسات الصحية في توجيه رسائل مخصصة للنساء خشية انتقادات من التيارات المحافظة. يقترح خبراء الصحة العامة تبني استراتيجيات غير مباشرة، مثل التركيز على تأثير التدخين على صحة الأطفال والأسرة، وهو ما أثبت فعاليته بنسبة 60% في تجارب محلية.

بدائل النيكوتين: فرص وتحديات في السوق العربية

شهدت السنوات الأخيرة انتشارًا ملحوظًا لمنتجات البدائل الإلكترونية، حيث تقدر حجم سوقها في الخليج العربي بحوالي 500 مليون دولار. يعزو الخبراء هذا النمو إلى الحملات الترويجية التي تركز على "أقل ضررًا" مقارنة بالسجائر التقليدية. مع ذلك، حذرت وزارات الصحة في مصر والمغرب من مخاطر هذه المنتجات غير المنظمة، خاصة بعد تسجيل حالات تسمم بين المراهقين بسبب سوء الاستخدام. تظهر تجربة تونس الرائدة في هذا المجال إمكانات واعدة. حيث نجح البرنامج الوطني للإقلاع عن التدخين في خفض المعدلات بنسبة 18% خلال 5 سنوات، من خلال دمج العلاج الدوائي مع الدعم النفسي الديني. تعتمد الاستراتيجية على مفهوم "الفتوى الإيجابية"، حيث عمل علماء دين مع أطباء لتطوير رسائل تتناسب مع القيم الإسلامية مع تقديم حلول عملية. هذه التحديات المتشابكة تتطلب مقاربة شاملة تجمع بين الوعي الثقافي والتدخلات العلمية والسياسات الاقتصادية. فالتجربة العربية الفريدة في الجمع بين الحداثة والتقاليد تفرض إعادة ابتكار حلول تتناسب مع الخصوصية الإقليمية، مع الاستفادة من التجارب العالمية الناجحة في مجال مكافحة التدخين.