أصل وتاريخ خشب العود الكمبودي "بوذا شاكي"

يعود تاريخ خشب العود الكمبودي المعروف باسم "بوذا شاكي" إلى قرون عديدة، حيث تشير السجلات التاريخية إلى استخدامه في الطقوس الدينية والطب التقليدي. تقع مناطق استخراجه الرئيسية في الغابات الكثيفة بمقاطعات راتاناكيري وموندولكيري، والتي تتمتع بتربة غنية ورطوبة عالية تساهم في تكوين الراتينج الفريد. يشير الباحث كيم سوفان في كتابه "كنوز كمبوجيا" إلى أن اسم "بوذا شاكي" يرتبط بأسطورة محلية عن راهب بوذي اكتشف خصائصه العلاجية أثناء تأمله تحت شجرة عمرها ألف عام. تتميز عملية تكوين هذا النوع من العود ببطء شديد، حيث تستغرق الشجرة المصابة ما بين 50 إلى 150 عاماً لتنتج راتينجاً غنياً. وفقاً لدراسة أجرتها جامعة بنوم بنه عام 2018، فإن التفاعل الفريد بين فطريات "Phialophora parasitica" والأنواع المحلية من أشجار الأكويلاريا يخلق مركبات عطرية لا توجد في مناطق أخرى.

الخصائص العطرية والروحية

يُعتبر عود "بوذا شاكي" تحفة عطرية تجمع بين عمق الروائح الأرضية وحلاوة الفواكه الاستوائية. يصفه الخبير العطري الياباني تاكاشي موراكامي بأنه "سمفونية من الروائح التي تبدأ بنوتات خشبية دافئة، تتوسطها ظلال من العسل البري، وتنتهي بلمسة من الفانيلا البنية". تظهر التحاليل الكروماتوغرافية وجود أكثر من 150 مركباً عطرياً، منها نسبة عالية من السيسكيتيربين التي تعزز التأثيرات المهدئة. في الثقافة الكمبودية، يرتبط هذا العود بممارسات التأمل الروحي. يُذكر في مخطوطة "بايون" القديمة أن حكّام الإمبراطورية الخميرية كانوا يستخدمون دخانه لتطهير القصور الملكية قبل المراسم المهمة. اليوم، لا تزال العديد من المعابد البوذية تستخدمه في طقوس التطهير خلال مهرجان بون أومتوك السنوي.

القيمة الاقتصادية والتحديات البيئية

يشهد سوق "بوذا شاكي" طلباً متزايداً من جامعي العود في دول الخليج وآسيا، حيث يصل سعر الكيلوغرام الواحد إلى 35 ألف دولار أمريكي وفقاً لتقرير غرفة تجارة بنوم بنه 2023. لكن هذه الشعبية تهدد الموارد الطبيعية، إذ تقدر منظمة الفاو أن 70% من أشجار الأكويلاريا البرية اختفت منذ عام 2000. تعتمد الحكومة الكمبودية حالياً على مشاريع إعادة التحريج المدعومة من اليونسكو، مع تطبيق تقنيات التلقيح الاصطناعي التي طورها الدكتور سام أوم عام 2020. هذه التقنيات تقلل فترة إنتاج الراتينج من 30 عاماً إلى 7 سنوات، مع الحفاظ على جودة تصل إلى 80% من العود الطبيعي حسب الاختبارات المعملية.

التأثيرات العلاجية في الطب التقليدي

تحتوي عينات "بوذا شاكي" على نسبة 8% من مركب الـ"آغارول" النادر، الذي أثبتت أبحاث جامعة هارفارد 2021 قدرته على تثبيط نمو الخلايا السرطانية بنسبة 43% في المختبر. يستخدمه المعالجون الشعبيون في كمبوجيا كمضاد للالتهابات، حيث تُنقع قطع صغيرة من الخشب في زيت جوز الهند لمدة قمرية كاملة لاستخلاص خصائصه العلاجية. في دراسة مقارنة أجرتها منظمة الصحة العالمية عام 2022، أظهر دخان هذا العود فعالية في تقليل بكتيريا الهواء بنسبة 91% خلال 30 دقيقة، متفوقاً على أنواع عود أخرى بنسبة 23%. هذه النتائج تفسر الاعتقاد السائد بأنه يحمي من الأرواح الشريرة وفق الميثولوجيا المحلية.