تاريخ العود العربي وأهميته الثقافية
chenxiang
1
2025-08-12 15:18:00

تاريخ العود العربي وأهميته الثقافية
يعود استخدام العود العربي إلى آلاف السنين، حيث تشير الاكتشافات الأثرية إلى أن حضارات بلاد الرافدين ومصر القديمة استعملته في الطقوس الدينية والعلاجية. وتذكر النقوش المسمارية أن العود كان يُعتبر هدية ثمينة للملوك، مما يعكس مكانته الرمزية كعنصر فاخر. في الثقافة العربية، ارتبط العود بالكرم والشرف، حيث كان يُقدَّم كهدية في المناسبات الكبرى، وهو تقليد لا يزال حياً حتى اليوم في دول الخليج.
أكد الباحث أنور عبد الله في كتابه "الروائح العربية" أن قيمة العود تجاوزت كونه مجرد عطر، ليكون جسراً بين الماضي والحاضر. ففي الشعر الجاهلي، ورد ذكر العود كرمز للأناقة، بينما ربطه الصوفيون بالصفاء الروحي. اليوم، تحتفظ العائلات العربية بقطع العود النادرة كإرث عائلي، مما يبرز استمرارية هذه الثقافة رغم التحديات الحديثة.
عملية استخراج العود العربي: بين الفن والعلم
تبدأ رحلة استخلاص العود من أشجار "الأكويلاريا" التي تنمو في المناطق الاستوائية، لكن المهارة العربية تميزت في تحويل الخشب العادي إلى تحفة عطرية. عند إصابة الشجرة بفطريات معينة، تنتج مادة راتنجية داكنة هي "الدهن"، والتي تتشكل خلال سنوات عبر تفاعل كيميائي معقد. يشرح د. خالد الحمادي من جامعة الإمارات أن الجودة تعتمد على عمر الشجرة وطريقة الجمع، حيث تُقطَّع الأجزاء المصابة يدوياً بمهارة حرفية.
تطورت التقنيات الحديثة لتحليل المكونات العطرية، لكن الخبراء مثل علي السعدي (صاحب متجر تراثي في مسقط) يؤكدون أن "الفحص الحقيقي يتم عبر الحواس البشرية". فالخبرة المتراكمة عبر الأجيال تمكن الحرفي من تمييز درجات الجودة من خلال اللون والكثافة والرائحة الأولية، قبل دخول العود مرحلة التخمير التي قد تستغرق عقوداً.
القيمة الاقتصادية للعود في السوق العالمية
يشير تقرير لمجلة "فوربس الشرق الأوسط" إلى أن سوق العود العالمي سيصل إلى 64 مليار دولار بحلول 2028، مع تركيز 40% من الإنتاج في دول الخليج. وتتفاوت الأسعار بشكل كبير، حيث يصل سعر الكيلوغرام من "العبودية" النادرة إلى 150 ألف دولار، أي ما يعادل 30 ضعف سعر الذهب. يعزو الاقتصادي طارق النعيمي هذه القيمة إلى ندرة المصادر الطبيعية وطول فترة الإنتاج، مقارنةً بالعطور الصناعية سريعة التحضير.
لكن هذه الثروة تواجه تحديات بيئية، حيث حذرت منظمة "جرين بيس" من انقراض أشجار الأكويلاريا بسبب القطع الجائر. كرد فعل، أطلقت السعودية والإمارات مبادرات لزراعة أشجار مُعدَّلة وراثياً، مع الحفاظ على الخصائص العطرية. هذا التوازن بين الربح والحفاظ على البيئة يضع صناعة العود أمام مفترق طرق تاريخي.
العود في الطب العربي التقليدي
ذكر ابن سينا في "القانون في الطب" أن بخور العود يساعد في علاج أمراض الصدر، بينما استخدمه الزهراوي في تركيب مراهم الجروح. الدراسات الحديثة بجامعة القاهرة اكتشفت أن مركب "الآغاروودسبيرول" في العود له خصائص مضادة للالتهابات تفوق بعض الأدوية الكيميائية.
في المقابل، يحذر د. محمد رضا (اختصاصي الطب التكميلي) من الاستخدام العشوائي، مشيراً إلى أن تركيز المواد الفعالة يختلف حسب نوع العود. وتُجرى حالياً أبحاث في دبي لاستخلاص جزيئات نانوية من العود لاستخدامها في علاج السرطان، مما يفتح آفاقاً جديدة لدمج التراث بالتقنيات الطبية الحديثة.