الابتكارات الحديثة- مستقبل التطور التكنولوجي في عالمنا المعاصر
chenxiang
2
2025-08-10 11:29:03

العنبر.. رائحة التاريخ وعبق الاقتصاد
تُعد أسواق تجارة خشب العود واحدة من أعرق الأسواق العالمية التي تجمع بين التراث الثقافي والاقتصاد العالمي، حيث تُقدَّر قيمتها السنوية بمليارات الدولارات. يُعرف العود بكونه "الذهب البني" نظرًا لندرته وقيمته الروحية العالية، خاصة في الثقافات العربية والآسيوية. ولكن ما الذي يجعل هذه السوق تستمر في الازدهار رغم التحديات البيئية والاقتصادية؟
الجذور التاريخية والثقافية للعود
يرتبط العود بتاريخ طويل يمتد لأكثر من 2000 عام، حيث ذكرته النصوص القديمة في الصين والهند كعنصر أساسي في الطقوس الدينية والطب التقليدي. في العالم العربي، ارتبط العود بالفخامة والضيافة، حيث كان يُستخدم في تبخير القصور والمساجد. تشير دراسة أجراها الباحث عبد الله المرزوقي (2018) إلى أن تجارة العود شكّلت جسرًا ثقافيًا بين الحضارات عبر طريق الحرير، مما عزز قيمتها الرمزية.
لا تقتصر أهمية العود على الجانب الروحي فحسب، بل تُظهر النقوش الأثرية في مدينة البتراء استخدامه في طقوس الجنازات، مما يعكس عمق ارتباطه بالهوية المحلية. اليوم، تحافظ الأسواق في دول مثل الإمارات وعُمان على هذه التقاليد عبر مهرجانات سنوية تُعرض فيها أندر أنواع العود.
التحديات البيئية وأثرها على السوق
تواجه أشجار العود الطبيعية خطر الانقراض بسبب الاستغلال المفرط، حيث تحتاج الشجرة إلى 30-50 عامًا لتكوين القلب العطري. وفقًا لتقرير الصندوق العالمي للطبيعة (2021)، انخفضت المساحات الحراجية المخصصة للعود بنسبة 70% في جنوب شرق آسيا منذ عام 2000. أدى هذا إلى ارتفاع أسعار العود الطبيعي بنسبة 300% خلال العقد الماضي، وفقًا لبيانات بورصة سنغافورة للتوابل.
لمواجهة هذه الأزمة، بدأت مشاريع التكاثر الصناعي للعود باستخدام تقنيات التلقيح الاصطناعي، كما في تجربة ماليزيا الناجحة التي زادت إنتاجها بنسبة 40% بين 2015-2020. لكن الخبراء مثل د. ليلى الهاشمي تحذر من أن العود المُستزرع يفتقر إلى العمق العطري للأنواع البرية، مما يخلق فجوة جودة في السوق.
الديناميكيات الاقتصادية للأسواق الرئيسية
تسيطر ثلاث دول على 85% من تجارة العود الخام: إندونيسيا (50%)، ماليزيا (25%)، والهند (10%)، وفقًا لتقرير غرفة دبي التجاري 2023. لكن مراكز التصنيع والتوزيع انتقلت إلى دول الخليج، حيث تُحوّل الإمارات 60% من وارداتها الخام إلى عطور ودهون عطرية تُصدَّر لأوروبا بأسعار تفوق 10,000 دولار للكيلوغرام.
تستخدم بورصة العود في سلطنة عُمان آلية تسعير فريدة تعتمد على "مؤشر الرطوبة العطرية"، الذي يقيس تركيز الزيت في الخشب. في المقابل، تعتمد فيتنام على المزادات العلنية لبيع القطع النادرة، حيث بيعت قطعة وزنها 1.2 كغم عام 2022 بمبلغ 1.8 مليون دولار، مسجلة رقمًا قياسيًا جديدًا.
هذه الديناميكيات تخلق اقتصادًا موازيًا يعتمد على الجودة أكثر من الكمية، مما يجعل الاستثمار في هذا السوق يحتاج إلى خبرة تفوق المتعارف عليه في أسواق السلع التقليدية.