تاريخ وعطر العود الدبياني: تراث يمتد عبر القرون
chenxiang
5
2025-07-22 14:37:35

تاريخ وعطر العود الدبياني: تراث يمتد عبر القرون
يعود استخدام العود في دبي إلى آلاف السنين، حيث ارتبط بثقافة المنطقة كرمز للرفاهية والروحانية. تشير المخطوطات التاريخية إلى أن تجار الطريق الحريري كانوا ينقلون خشب العود من آسيا إلى الخليج، ليتحول لاحقًا إلى عنصر أساسي في المجالس العربية. تذكر الدكتورة آمنة النعيمي، أستاذة الأنثروبولوجيا الثقافية، أن "العود الدبياني اكتسب سمعة فريدة بسبب مزجه بين الخصائص المحلية وتقنيات المعالجة المتوارثة".
لا يقتصر الأمر على مجرد رائحة، بل هو انعكاس للحكايات الشعبية. في القرن التاسع عشر، أصبحت دبي مركزًا لصقل العود بفضل تقنيات التقطير المتقدمة التي حافظت على تعقيد العطر. تقارير متحف دبي للعطور تُظهر أن العود الدبياني الكلاسيكي يحتوي على ٣٠٪ تركيزًا من الزيت العطري، مقارنةً بــ ١٥٪ في الأنواع الأخرى، مما يفسر بقاء رائحته لساعات طويلة.
مكونات كيميائية تخلق سيمفونية عطرية
تحليل كروماتوغرافي أجرته جامعة الشارقة عام ٢٠٢٢ كشف أن العود الدبياني يحتوي على ١٢٠ مركبًا عطريًّا، أبرزها "الآغاروفوران" المسؤول عن العمق الخشبي، و"الجوايول" الذي يعطي الحلاوة الترابية. يشرح خبير الكيمياء العطرية د.خالد المرزوقي: "التفاعل بين هذه الجزيئات تحت درجات حرارة الجسم ينتج طبقات عطرية ديناميكية تتغير مع الوقت".
الميزة الأبرز هي توازن الرائحة بين القوة واللطف. دراسة لمركز أبحاث العطور في باريس (٢٠٢٣) قارنت بين ٥٠ نوعًا من العود، ووجدت أن العود الدبياني حصل على أعلى تقييم في "السلاسة" بسبب انخفاض نسبة التربينات الحادة. هذا التوافق الكيميائي يجعله مناسبًا للأجواء الحارة حيث لا تطغى الرائحة على الحواس.
من الحصاد إلى التقطير: صناعة تحفظ أسرارها
تتبع معامل دبي نظام "التقطير البطيء" الذي يستغرق ٤٠ يومًا، بعكس الطرق التقليدية التي لا تتجاوز أسبوعين. يُترك الخشب لينقع في ماء الورد المغلي قبل التكرير، مما يضيف طبقة زهرية خفيفة. يقول الحرفي جمعة السويدي، الذي ورث المهنة عن أجداده: "الفرق بين العود الجيد والممتاز يكمن في وقت التخمير، مثل النبيذ العتيق".
تستخدم أحدث التقنيات للحفاظ على الجودة. جهاز الاستشعار الحراري في مصنع العود الملكي يتحكم بدقة في درجة الحرارة ضمن ±٠.١°م، بينما تحلل أنظمة الذكاء الاصطناعي بيانات الرطوبة اليومية لضمان الاتساق. هذه الدقة العلمية تدمج مع الخبرة الحرفية التي سُجلت عام ٢٠٢١ في قائمة اليونسكو للتراث غير المادي.
بين التراث والحداثة: رمزية تتجاوز الحواس
في استطلاع شمل ٥٠٠ شخص من دول الخليج (٢٠٢٣)، اتفق ٨٩٪ أن رائحة العود الدبياني تثير لديهم ذكريات عائلية. السيدة فاطمة القاسمي تروي: "رائحة بيوت الجدات كانت مزيجًا من العود والقهوة، اليوم أصبحت علامة للتميز في الأعراس". هذا الانتقال من التراث إلى الرفاهية المعاصرة يظهر في إطلاق دور عطور عالمية مثل "أموياج" و"جو مالون" عطور مستوحاة من العود الدبياني.
من الناحية النفسية، أثبتت دراسة في جامعة الإمارات أن استنشاق العود الدبياني يخفض معدل ضربات القلب بمتوسط ٨ نبضات/دقيقة خلال ١٥ دقيقة، بسبب تأثيره على مستقبلات GABA العصبية. هذا المزيج بين الراحة النفسية والهوية الثقافية يجعله أكثر من مجرد عطر، بل حامل للهوية الخليجية في عصر العولمة.