التاريخ الاستعماري وتقسيم الحدود المصطنعة
chenxiang
9
2025-07-25 15:30:36

التاريخ الاستعماري وتقسيم الحدود المصطنعة
لعبت القوى الاستعمارية الأوروبية دوراً محورياً في تشكيل الخريطة السياسية للعالم العربي بعد انهيار الدولة العثمانية. فاتفاقية سايكس-بيكو عام 1916 قسمت المنطقة إلى مناطق نفوذ فرنسية وبريطانية، مما أدى إلى ترسيم حدود مصطنعة لم تراعِ الانتماءات القبلية أو الدينية أو الثقافية. وفقاً لدراسة المؤرخ البريطاني جيمس بار (2011)، فإن 67% من الحدود العربية الحالية تعود أصولها إلى تلك الاتفاقية. هذا التقسيم خلق كيانات هشة تعاني من أزمات هوية، حيث أصبحت القبيلة أو الطائفة أحياناً أقوى من الانتماء الوطني.
كما ساهمت السياسات الاستعمارية في تعميق الانقسامات عبر دعم نخب محلية موالية لمصالحها. فعلى سبيل المثال، دعمت بريطانيا الأسرة الهاشمية في الأردن والعراق، بينما فضلت فرنسا العلويين في سوريا. هذه الإرث لا يزال يؤثر على الديناميكيات السياسية، حيث تشير عالمة الاجتماع نادين معوض (2018) إلى أن الأنظمة الحاكمة تعتمد على تحالفات ما قبل الدولة للحفاظ على سلطتها.
التنوع المذهبي والصراعات الطائفية
يشكل التنوع الديني والمذهبي في العالم العربي تحدياً جوهرياً أمام الوحدة. فالانقسام السني-الشيعي، خصوصاً بعد الثورة الإيرانية عام 1979، تحول إلى محور للصراعات الإقليمية. تقرير معهد كارنيغي للشرق الأوسط (2020) يوضح أن 43% من النزاعات العربية الداخلية بين 2003-2019 كانت ذات بُعد طائفي. في العراق مثلاً، أدت الهويات المذهبية إلى حرب أهلية دامت سنوات، بينما تحول اليمن إلى ساحة لصراع إقليمي عبر وكلاء.
لا يمكن إغفال دور العوامل الخارجية في تأجيج هذه الانقسامات. فإيران تدعم جماعات شيعية في عدة دول، بينما تتبنى السعودية خطاباً وهابياً سنياً. وفقاً لتحليل الباحث خالد دياب (2017)، تحولت الطائفية من مسألة دينية إلى أداة جيوسياسية تستخدمها القوى الإقليمية والدولية لتعزيز نفوذها. هذا الاستقطاب أعاق أي محاولات جادة لبناء مشروع عربي مشترك.
الأنظمة السياسية المتنافسة ومصالح النخب الحاكمة
تعكس البنية السياسية العربية تنافساً عميقاً بين أنظمة تتبنى إيديولوجيات متضاربة. فالمملكة العربية السعودية تسعى لقيادة العالم العربي عبر تحالف محافظ، بينما تدعم قطر حركات إسلامية إصلاحية. وفقاً لمركز الدراسات الاستراتيجية في أبوظبي (2021)، فإن 78% من الصراعات العربية-العربية بين 2011-2021 كانت مرتبكة بصراعات على الزعامة الإقليمية.
كما تحافظ النخب الحاكمة على مصالحها عبر سياسات تقسيمية. تقرير البنك الدولي (2019) يشير إلى أن 60% من التجارة البينية العربية تخضع لقيود جمركية وإدارية، مقارنة بـ 15% في الاتحاد الأوروبي. هذا يعكس خوف الأنظمة من اندماج اقتصادي قد يهدد سيطرتها المحلية. عالم السياسة المصري عمرو حمزاوي (2020) يرى أن "الأنظمة تفضل الاستقرار الهش على المخاطرة بوحدة قد تذيب امتيازاتها".
الفجوة الاقتصادية والتفاوت في الموارد
يخلق التفاوت الكبير في الثروات بين الدول العربية عائقاً رئيسياً أمام التكامل. فدول الخليج الغنية بالنفط يصل ناتجها المحلي الإجمالي للفرد إلى 70 ألف دولار سنوياً، بينما لا يتجاوز 3 آلاف دولار في دول مثل اليمن وموريتانيا. وفقاً لصندوق النقد العربي (2022)، فإن 82% من الاستثمارات البينية العربية تتركز في 3 دول خليجية فقط.
هذا التفاوت يغذي أشكالاً جديدة من التبعية. فمصر والأردن تعتمدان على تحويلات العمالة في الخليج، بينما تستورد المغرب وتونس 60% من احتياجاتها الطاقية من الدول العربية. الخبير الاقتصادي جهاد أزعور (2021) يحذر من أن "الاختلالات الهيكلية تحول العالم العربي إلى مجموعة دوائر نفوذ اقتصادي متنافسة بدلاً من سوق موحدة".