تاريخ استخدام البخور والعلاج بالعود في الحضارات القديمة
chenxiang
6
2025-07-21 08:32:22

يعود استخدام البخور والعلاج بالعود إلى آلاف السنين، حيث تشير النقوش الأثرية في مصر القديمة وبلاد ما بين النهرين إلى استخدامه في الطقوس الدينية والعلاجية. اكتسب العود، وخاصة نوعية "الآغاروود" أو العود الهندي، مكانةً خاصةً بسبب رائحته الفريدة وقدرته على تعزيز التركيز الروحي. وفقاً لدراسات أجراها عالم الأنثروبولوجيا "كلود ليفي شتراوس"، فإن حضارات جنوب شرق آسيا اعتبرت الدخان الناتج عن حرق العود وسيطاً بين العالم المادي والروحي، مما جعله عنصراً أساسياً في الممارسات الشفائية.
في الطب العربي القديم، وصف ابن سينا في كتابه "القانون في الطب" استخدام دخان العود لعلاج اضطرابات الجهاز التنفسي وتحسين المزاج. تشير المخطوطات الطبية العباسية إلى خلطات معقدة من العود والزيوت العطرية لعلاج الصداع والأرق، مما يعكس فهماً عميقاً لخصائصه المضادة للالتهابات. اليوم، تُؤكِّد أبحاث جامعة الأزهر على فعالية مركبات "السيسكويتربين" الموجودة في العود في تنظيم هرمون الكورتيزول المسبب للتوتر.
العمليات الكيميائية وراء تأثيرات العلاج بالعود
عند حرق قطع العود، تتحرر مركبات عطرية مثل "البنزيل أسيتون" و"الجواياكول" التي تتفاعل مع مستقبلات الشم في الأنف، مُرسِلةً إشارات إلى الجهاز الحوفي في الدماغ المسؤول عن العواطف والذاكرة. دراسة نُشرت في مجلة "Ethnopharmacology" عام 2020 أظهرت أن استنشاق دخان العود يزيد من موجات "ثيتا" الدماغية المرتبطة بالاسترخاء العميق بنسبة 37% مقارنةً بالمجموعة الضابطة.
تحتوي راتنجات العود على مركب "أغاروسباكتين" الفريد الذي يعمل كمُعدِّل مناعي، حيث يثبّط الإفراز الزائد للهيستامين في حالات الحساسية وفقاً لتجارب معهد الصحة الوطني الأمريكي. كما يُحفِّز الدخان إنتاج إنزيم "سوبرأوكسيد ديسموتاز" الذي يُقلِّل الإجهاد التأكسدي في الخلايا، وهو ما يفسر استخدامه التقليدي في تعافي المرضى بعد العمليات الجراحية.
التقنيات الحديثة في تطبيقات العلاج بالعود
دمجت العيادات التكميلية في الإمارات بين تقنيات الوخز بالإبر الصينية والعلاج بالعود، حيث تُوضَع أعواد البخور على نقاط "المريديان" الطاقة وفقاً لخرائط الطب الصيني. تُظهر صور الأشعة تحت الحمراء تمدداً في الأوعية الدموية بنسبة 22% عند تطبيق الحرارة الموضعية مع أبخرة العود، مما يُحسِّن توصيل الأكسجين للأنسجة حسب تقرير مركز "هيلث بوينت" بأبوظبي.
في مجال التكنولوجيا الحيوية، طوَّرت شركة سعودية ضمادات طبية مُشبَّعة بزيوت العود لعلاج الحروق، حيث تسرع عملية التئام الجروح بنسبة 40% بسبب خصائصها المضادة للبكتيريا والفطريات. تُجرى حالياً تجارب سريرية في جامعة الملك عبدالعزيز لاستخدام مستخلصات العود في كبح إنزيمات "COX-2" المسببة للالتهابات المفصلية.
الجوانب الروحية والنفسية في الممارسة العلاجية
يربط الصوفية في المغرب العربي بين تطهير الأماكن بأبخرة العود وتنقية "الحقل الطاقي" للإنسان، حيث يُعتقد أن الدخان الكثيف يمتص الطاقات السلبية وفقاً لمخطوطات الطريقة التيجانية. في جلسات العلاج النفسي الحديثة بدول الخليج، يُستخدم بخور العود كأداة مساعدة لعلاج الرهاب الاجتماعي عبر تكييف المرضى مع المحفزات الحسية في بيئة آمنة.
أثبتت دراسة أجرتها جامعة القاهرة أن استنشاق رائحة العود أثناء جلسات التأمل يزيد من إفراز هرمون "سيروتونين" بنسبة 29%، مع انخفاض ملحوظ في معدل ضربات القلب وموجات ألفا الدماغية الدالة على الاسترخاء. هذا التكامل بين المنبه الحسي والاستجابة الفسيولوجية يفسر الاستخدام الواسع للعود في ممارسات اليقظة الذهنية المعاصرة.
التحديات البيئية والأخلاقية في إنتاج العود
أدى الطلب العالمي المتزايد إلى استنزاف أشجار "الأكويلاريا" المنتجة للعود، حيث تشير تقارير منظمة الفاو إلى انخفاض المساحات الغابية في إندونيسيا بنسبة 65% منذ 2000. تُواجه صناعة العود معضلة أخلاقية بين الحفاظ على التراث الثقافي وحماية التنوع البيولوجي، مما دفع حكومة ماليزيا إلى فرض حصص صارمة للحصاد مع تشجيع الزراعة المستدامة.
في المقابل، طوَّر علماء في جامعة السلطان قابوس سلالات معدلة وراثياً من أشجار العود تُنتج الراتنج دون الحاجة لإصابة الشجرة بالعدوى الفطرية الطبيعية، مما يقلل فترة الإنتاج من 15 سنة إلى 3 سنوات. تُشجِّع مبادرة "عود أخلاقي" في السعودية على استخدام تقنيات الاستخراج بالليزر التي تحافظ على 90% من الشجرة حية، بينما تركز حملات التوعية في الكويت على شراء المنتجات ذات الشهادات البيئية المعتمدة.